ملخص تنفيذي:
تشير العديد من البحوث إلى أن مستقبل العمل عن بعد سيتساوى – إن لم يكن سيتجاوز – مواقع العمل والمكاتب الثابتة بحلول عام 2025[1]، ولا غرابة في ذلك إذا ما نظرنا للمزايا والفوائد التي يعود بها العمل عبر الإنترنت على كل من أصحاب العمل والعامل على حد سواء، فالنسبة لأصحاب العمل فإن العمل عبر الإنترنت (عن بعد) يساهم في تخفيف نفقات وتكاليف الإنتاج (كنتيجة لعدم اضطرار الشركات لاستئجار مبان ومكاتب للموظفين – توفير تكاليف التنقل … إلخ)، كما أن العمل عبر الإنترنت يساهم في زيادة قدرة الشركات على التعاقد مع موظفين ذوي كفاءات مهنية عالية في مناطق جغرافية متنوعة إضافة إلى قدرتها على الاحتفاظ بموظفيها الذين قد يفكرون في ترك وظائفهم بسبب عدم ملائمة أماكن العمل لمكان إقامتهم، أما على صعيد العاملين فإن العمل عن بعد يحقق لهم الاستقرار في العمل وذلك بسبب عدم تقيدهم بمكان وزمان محدد وبالتالي فإن انتقالهم من أماكن إقامتهم أو اضطرارهم للسفر لن يؤدي لخسارة وظائفهم وأعمالهم، كما يوفر العمل عبر الإنترنت للعامل المرونة في أداء المهام المناطة به إذ يكون بمقدوره اختيار ساعات العمل التي تلائمه وفقاً لالتزاماته وظروفه الشخصية، كما أن العامل عبر الإنترنت لن يكون مضطراً للبحث عن فرص العمل أو الزبائن في نطاق مكان إقامته الجغرافي بل يمكنه العمل والتواصل مع الشركات والعملاء في مختلف دول العالم.
إن خصائص العمل عبر الإنترنت سابقة الذكر تجعل منه حلأ مثالياً لوضع السوريين، فهو يناسب الظروف التي يمرون بها من جهة عدم الاستقرار واضطرارهم للنزوح عن أماكن إقامتهم، إضافة إلى أن العمل عبر الإنترنت يساهم في التخلص من مشكلة البطالة وعدم توافر فرص العمل، إضافة للفائدة الاقتصادية التي قد يحققها العامل عبر الإنترنت من فروق في أسعار تصريف العملات حيث إن مجمل عمله ربما يتقاضاه بعملات أجنبية، كما يوفر العمل عبر الإنترنت فرصة هامة لعمل الفئات الخاصة مثل المرأة، وذوي الإعاقة، مما يعني الاستفادة من كافة الطاقات البشرية.
وبناء على أهمية العمل عبر الإنترنت للسوريين فقد قمنا بإجراء هذه الدراسة والتي تهدف إلى تمكين السوريين من مباشرة العمل عبر الإنترنت وذلك من خلال تحديد مدى معرفتهم بمفهوم العمل عبر الإنترنت ومنصات العمل وأساليب التعاقد واستلام أجور العمل ومعرفة المهارات والإمكانيات التي يمتلكونها والتي تؤهلهم للعمل عبر الإنترنت ومعرفة أبرز الصعوبات والتحديات ونقاط الضعف لديهم وتقديم المقترحات لحل هذه المشاكل وتحديد احتياجاتهم والعمل على تلبيتها.
ولقد أجريت الدراسة في شهر حزيران من عام 2020 ولقد غطت كل من حلب وإدلب في الشمال السوري، وقد تم خلال الدراسة مقابلة 5 خبراء استشاريين في مجال العمل عبر الإنترنت باستخدام دليل يضم أسئلة مفتوحة، كما تمت مقابلة 11 شخص منلين عبر الانترنت في تلك المناطق باستخدام استبيان مقابلة معمقة In-depth interview، كما تم اختيار عينة عشوائية من السوريين فتمت مقابلة 500 سوري من الذكور والإناث باستخدام استبيان يضم أسئلة مغلقة مع التركيز على فئة الشباب وبمختلف المستويات العلمية.
وقد أظهرت نتائج الدراسة وجود انخفاض في درجة الوعي لدى السوريين بمفهوم العمل عبر الإنترنت وعدم توافر المعرفة لدى غالبيتهم بكيفية التعامل مع منصات العمل عبر الإنترنت وأساليب التعاقد واستلام أجور العمل، أما من حيث امتلاكهم للمهارات التي تؤهلهم لمباشرة العمل فقد أظهرت نتائج الدراسة أن الكثير من السوريين يملكون العديد من المهارات التي تؤهلهم لدخول مجال العمل عبر الانترنت إذا ما توافرت لهم الشروط والظروف المناسبة وإذا تم تزويدهم بالدعم المناسب، كما أن نسبة جيدة من السوريين لم يكونوا مدركين بأن ما يملكونه من مهارات يمكن أن يوفر لهم مصدراً جيداً للدخل من خلال العمل عبر الانترنت، وحول توافر مستلزمات العمل فإننا نجد أن ما يزيد عن نصف المشاركين في الدراسة ليس لديهم جهاز كمبيوتر والذي يعتبر من المستلزمات الرئيسية للعمل، وأما اتصال الإنترنت فهو متوافر لدى الغالبية العظمى من السوريين، كما تتوافر الكهرباء لمدة تتراوح بين 6 إلى أكثر من 10 ساعات يومياً لدى أكثر من نصف المشاركين في الدراسة في حين تتوافر من ساعتين إلى ست ساعات لدى 42% من المشاركين وهذه المدة قد لا تكون كافية لإنجاز المهام اليومية للعامل عبر الإنترنت، أما عن ذوي الإعاقة فقد تمثلت الصعوبات التي يعانون منها وفقاً لرأي الخبراء بعدم توافر المستلزمات الخاصة بهم والتي تتلاءم مع نوع الإعاقة إضافة لحاجتهم للدعم النفسي والمعنوي.
وبناء على ما سبق فإننا نوصي بضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتمكين السوريين من مباشرة العمل عبر الإنترنت وذلك من خلال إطلاق المشاريع التي تهدف إلى رفع وعيهم بمفهوم العمل عبر الإنترنت وأهميته وأساسيات ذلك العمل كأساليب التعاقد واستلام الأموال والتعامل مع منصات العمل عبر الإنترنت، إلى جانب تنمية المهارات والقدرات التي يمتلكها السوريون في المجالات الملائمة للعمل عبر الإنترنت، والعمل على توفير المعدات والتجهيزات المطلوبة لبدء العمل كأجهزة الكمبيوتر والمعدات التخصصية ومصادر الطاقة الكهربائية، وأما ذوي الإعاقة فإنه من الضروري أن يتم تزويدهم بالمعدات والتجهيزات الخاصة وفقاً لنوع إعاقتهم، كما أننا نوصي بضرورة متابعة الأفراد بعد بدء العمل عبر الإنترنت وتقديم الدعم الفني والاستشاري لهم وخاصة في مراحل العمل الأولى.
لتحميل الدراسة اضغط هنا